تخط إلى المحتوى

تماضر رياح موسمية تهبّ على الروح. فكر وفنّ. رصد وسَرد وتصميم.
هذه مساحة للهدوء الذي يسبقّ العاصفة، أو السكون الذي يليها.

ضوء الزيتون

1د للقراءة سرد

أغلب الأيام أجبر نفسي على كتابة صفحات صباحية. أفتح الصفحة ما يكون عندي ولا فكرة. أقول معليش. أضع كلام بسيط وخفيف وماله لزمة. أكلت ونمت وأدرت وأردت. وأتساءل عن جدوى الصفحات، ومتى سأكتب شيئاً له معنى يحقق الوعود التي يبيعها أصحاب اليوميات. أقف على ناصية الحلم وأنام. أو أعدّد الخضروات التي أريد أن أجدها في شوربة اليوم. أتأرجح هذه الأيام بين البروكلي والملفوف. وأحياناً القرنبيط. الحمدلله على النعمة، وأغاث ربنا رب الناس الناس عاجلاً غير آجل. 

كل يوم أتساءل عن جدوى الكتابة. ثم عندما تمر أيام أو أسابيع، وأفتح دفتري كي أكتب صفحة جديدة مملّة بلا أي أفكار خارقة للعادة، تقع عيناي على صفحة قديمة. أجد فيها حديثاً عذباً عن البروكلي والملفوف. وسؤالاً أوجهه لنفسي: وين الوسع اللي نحمله بداخلنا يا فاطمة؟ وأجيب بأنه موجود، ابن ماء السماء، لكني لا أعرف أوصل له وسط الفوضى في الشنطة العملاقة. 

أقول آه. لهذه الأمور يقولون أن علي أن أكتب يومياتي. لأن الدولاب مليء بالطيّبات. لكن إن لم أفتح الضرفتين لن أرى شيئاً. سيمتلئ الدولاب بالظلام. 

قبل شهور قليلة مررت بأمور أربكتني وأجبرتني على ترك دفتري. تركتها لأسابيع. ثم طرأت على فكرة لمّاعة. لم لا أبتاع مُلصقات يمكن تشجّعني مبدئياً على العودة إلى اليوميات؟ قيل لي أن تيمو فيه ستيكرات حلوة. جربت أن أطلب مجموعات عدّة وكلّي شكوك في أن تكون الستيكرات مثل التي أراها في الصور. لكن طلعت أحلى. 

سيدة أربعينية. تجلس على كرسيها الوثير. تفكر في قائمة أعمالها لليوم، ثم تدعو بدعاء تعلّمته من أبلة العربية في الثانوية ” اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا” كي تستعين به على الأحزان والأثقال. ثم بكلّ الجدّية التي يحتملها الصباح، تختار ستيكرين أو ثلاثة لتزّين بها صفحة الدفتر البيضاء قبل أن تبدأ الكتابة. 

أيمّا يفي بالغرض، يفي بالغرض. لا حرج. 

أياً كان الحبل الذي سينقذك من الأيام الكابية. ولو لخمس دقائق. اتبعه. اقبل فُرجة النافذة، وضوء الزيتون الذي يشبه لون أوراق الشجر القديمة، والرضا المتمهّل بالقطّارة بلا استعجال. لأن العالم سيتعاطف مع أحزانك. سيشجّعك على أن تعبر أنفاقها بخيرها وشرّها، ويعدك بالضوء والنور في آخرها. لكنه يتراجع، يحذّر ويتردد، عندما يتعلّق الأمر بسعادتك. خصوصاً لو كانت سعادة لا محسوسة. لا تتعلق بحبيب أو منصب أو بيت. عايش في الوهم. انتبه. اصحى. فتّح عيونك على آخرها الأفاعي تقترب. وإن ظلّ رأسك يخالط غيوم السماء، قالوا عنك ولك “درويش”، وقلبوا أياديهم حسرةً عليك. ماذا يقول ذلك الشاعر الأمريكي؟ ” أن نعاند كفاية لنقبل غبطَتنا وسط أتون هذا العالم”. 

يارب. لطفك وعافيتك. 

وأمسية طيّبة عليكم. 

اترك تعليقًا